علم كلام على غير هدى المتكلمين: الغنية عن الكلام وأهله للخطابي (ت: 388هــ)؛ دراسة لأقدم مصدر تراثي ناقد لعلم الكلام

إصدارات نماء

تُعدّ قضية مشروعية علم الكلام من أبرز القضايا التي شغلت حيّزًا واسعًا في تاريخ الجدل الكلامي، وقد ظلّت هذه النقاشات حتى القرن الرابع منحصرة أساسًا بين تيارين رئيسين: أحدهما مدافع عن علم الكلام، والآخر معارض له. وفي ظلّ هذه الهيمنة لهذين الموقفين، ألّف أبو سليمان الخطّابي (ت: 388هــ) كتابه «الغُنية عن علم الكلام وأهله»، وعلى الرغم من أن إسهامات الخطابي البارزة في علوم الحديث والفقه واللغة، قد حظيت باهتمام كبير من العلماء قديمًا وحديثًا؛ فإن الجانب الكلامي في فكره لم يأخذ العناية الكافية من قِبل الباحثين.

يطرح هذا البحث نهجًا مغايرًا لفهم أطروحة الخطابي، يقوم على قراءة «الغُنية» بوصفه خطابًا علميًّا بديلًا تشكّل في سياق هيمنة خطابات علمية متنازعة حول الموقف من علم الكلام، حيث يجادل البحث بأن ما قدّمه الخطّابي،  من معالجة مغايرة لما كان رائجًا في عصره، يُمثّل أقدم محاولة نقدية اتسمت بخصائص واضحة لما يُسمّيه البحث بـ«الخطاب البديل»: خطاب جمع بين نقد السائد واقتراح بديل استدلالي يملأ مكانه. وعلى هذا النسق قدّم الخطّابي نموذجًا بديلًا يتجاوز الانقسامات التقليدية حول الكلام معتزليّه وسنّيّه لا يصطفّ معه تمامًا ولا يعارضه جذريًّا، بل يتجاوز ثنائية القبول والرفض مقترحًا نهجًا بديلًا: علم كلام، على غير هُدى المتكلمين!

يجادل هذا البحث ضدّ القراءة السائدة المتقدمة، والتي أسهمت في تكوين صورة نمطية قوية عن الخطابي وكتابه، وبهذا الصدد يجيب عن السؤال المركزي: هل تعبّر أطروحة الخطابي عن معارضةٍ قاطعة للكلام كما يوحي عنوانها أم عن موقفٍ أشدّ تركيبًا وتعقيدًا؟