عقلنة دلائل النبوة (كيف نجعل دلائل النبوة دلائل عقلية) وبيان وجوه من الدلائل العقلية على النبوة

«دراسات شرعية»

لأن الإيمان بنبوة النبي ﷺ هو الشطر الثاني من شهادة الحق التي لا نجاة بغير الإيمان اليقيني بشطريها: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمّدًا رسولُ الله. وهذا ما أوجب أن تكون دلائل نبوته ﷺ دلائلَ يقينيةً، لكي تُوصل إلى هذا اليقينِ الواجبِ والمشروطِ لصحة الإيمان.

ولذلك فقد كتب أئمتُنا وعلماءُ أُمّتِنا كُتُـبًا كثيرةً وعَقَدُوا مباحثَ طويلةً في دلائل النبوة، وتنوعت طرائقُ تأليفهم في ذلك، وتعدّدت وجوهُ تناولهم له، واستطاعوا أن يقدموا الأدلة على صحة نبوة النبي ﷺ بأحسن طريقةٍ وأقومِ منهج. لكنهم كانوا يخاطبون أهل زمانهم بما لديهم من معارف، وبحسب ما تحتاجه أفهامُ المخاطَبين في عصرهم، وأجابوا عن كل إشكال كان يُطرح، وسَدُّوا كلَّ ثغرةٍ تُوُهِّمت في استدلالهم، ورَدُّوا كلَّ شُبهةٍ أثارها ذلك الاستدلالُ بلغةِ عصرِهم وحاجتِه، فجزاهم الله تعالى عن الإسلام وعلومه خير الجزاء.

فلما أنْ بلَغْنَا نحن هذا العصر، وكان أكثر أبناء أُمتنا يجهلون تراث أُمّتهم، وبعض جهلهم به جهلُ معرفةٍ واطلاع، وبعضه جهلُ عجزٍ عن إدراكه وفهمه، بسبب ما حصل بيننا وبين تراثنا من قطيعةٍ تعبيرية واصطلاحية وأسلوبية، صار لا بُدّ من إعادة عرضٍ لبعض تلك الجهود في الدلائل النبوية، بطريقةٍ تقرّبها من عموم المسلمين، وتُيسِّرُ فهمها لهم، وتخاطبهم بلغة عصرهم وأساليبه، بل تحبِّبهم في معرفة ذلك، وتُشوِّقُهم إليه، وتُغريهم به؛ لأننا في زمن لا تحكم غالبَ الناس فيه إلا المتعةُ واللذة، فلا بد أن نحرص على تقريب علومنا إلى أبناء أمتنا بلغة يفهمونها، وبأسلوب يشوّقهم إلى معرفتها، بلا إخلالٍ بالحقيقة العلمية، ولا تسخيفٍ للمعارف الثقيلة.